فكرية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

حتى يكون "طوفان الأقصى" مقدمة لطوفان الخلافة الراشدة

 

 

إن صراع اليهود مع الحق صراع أبدي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمَن قبلَنا كان صراعهم مع الأنبياء والرسل، وعهد سيدنا محمد ﷺ خاتم النبيين والمرسلين بهذا الصراع بعده لأمته، فصراعهم فكرياً وعقائدياً وعسكرياً وإعلامياً كشعب خبيث ما زال وسيبقى، وستبقى الحرب سجالاً بيننا وبينهم إلى أن يحين موعد القضاء عليهم بسبب إفسادهم وعلوهم في الأرض وتدميرهم لكل خير ومعروف، وبالتالي إزالة كيانهم المسخ.

 

فصراعنا معهم عقائدي رغم ما يحاول حكامنا إظهاره لنا بأنه صراع على حفنة من التراب وعلى بقعة من الأرض وعلى قدس شريف وآخر غير شريف! ولا يعدو أن يكون صراعاً لإعادة توطين لاجئين ومهاجرين من ديارهم وإرجاعهم إلى أوطانهم مع إعطائهم استقلالاً ميتاً قبل أن يولد.

 

ولا غرابة في ذلك، فهذه الدمى المتحركة وهؤلاء النواطير ليسوا سوى صنيعة اليهود، وهم الذين جاؤوا بهم ليأمنوا بطش هذه الأمة ولقتلها بعد تخديرها بأيد من قومها وجنسها، بعد أن قاموا بعمليات تجميلية لوجوههم الكالحة، وإظهارهم بمظهر الأبطال المنقذين المحررين لشعوبهم، فاليهودي يدعي حقه في فلسطين من منطلق توراتي عقائدي بينما حكامنا يدوسون على عقيدتهم ودينهم وقرآنهم ويذبحون من يحملونه ومن يدعون لحمله والعمل بما جاء فيه، ويعتقلونه أو يسجنونه في أقل الحالات سوءا، ويتفاخرون أمام أسيادهم لنيل زيادة من الرضا والجاه، بل صار أمثلهم طريقة من يعلن تطبيعه معهم فيستقبلهم ويحتضنهم ويدافع عن وجودهم باسم السلام وأحيانا باسم الإسلام، تظاهرا بتعامل الند للند... قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

 

ومع أنهم أجبن خلق الله، إلا أن الذي يجب أن يكون واضحا في الأذهان، هو أننا لن نكون نداً لليهود إلا بعد العودة لديننا وعقيدتنا التي تحتم علينا الجهاد لرفع راية الإسلام خفاقة، على الرغم من عدم وجود أوجه للمقارنة بيننا وبينهم في أية ناحية؛ في العدد والشجاعة والأخلاق والجرأة على تخطي الصعاب والتحمل والصبر...

فالعودة إلى عقيدة التوحيد والمنهج الرباني هي نقطة البداية لإعادة العز والهيبة لهذه الأمة ولتعود إلى مركز الصدارة كما كانت ولتحرير المقدسات والبلاد الإسلامية المغتصبة؛ فلسطين والأندلس وكشمير وولايات روسيا الجنوبية كاملة وغيرها من بلاد الإسلام المحتلة.

 

والعودة إلى الدين ليست بإقامة الشعائر والمناسك التعبدية والتمسك بالسنن المندوبة والتقليد في الأفعال الجبلية فقط، بل بالعمل لاستئناف الحياة الإسلامية، وإيجاد الخليفة المسلم للحكم بكتاب الله وسنة رسوله، على منهاج النبوة، وحتى نصبح عباداً لله أولي بأس شديد، فنكون أهلاً لتنفيذ قضاء الله وقدره بتحقيق وعده سبحانه وبشرى نبيه ﷺ بخلافة راشدة على منهاج النبوة، وعد الله بها عباده المؤمنين، ولم يقتصر ذلك على جزء من أهل فلسطين.

 

والله سبحانه وتعالى تكفل بنصر المؤمنين وتثبيت أقدامهم، فقال جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وقال أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

 

الإسلام إذن هو الحل لقضية فلسطين خاصة، ولقضايا المسلمين عامة. فوحدة المسلمين أهم في سلّم الأولويات وفي ميزان الإسلام من قضية فلسطين، وإقامة الخلافة الإسلامية هي أولى خطوات التحرير، تحرير الإنسان المسلم أولاً من الأفكار والمعتقدات الغربية الفاسدة، والعودة به إلى حظيرة الإسلام... حظيرة الحق والفطرة، حظيرة الخير والعزة، ويجب تحرير الأمة الإسلامية أولاً من الذل والعبودية... من نير الاستعمار الفكري والسياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري الذي فُرض على رقاب هذه الأمة... تحريرهم من الحقد الدفين على بعضهم بعضاً والذي بذره الاستعمار ورعاه حتى نما وترعرع، فتحرير الأرض لا يفيد إذا لم يتحرر الإنسان المسلم من كل ما لصق به من أدران وأوساخ، وإلا لظل الناس يظنون في كل حرب أن غزة تُنصر بالدعاء والغطاء والغذاء، لا بجيش يحمل الراية واللواء، رغم ما تزخر به سيرة الرسول ﷺ والخلفاء الراشدين من بعده من أمثلة صارخة على كيفية مواجهة الأعداء.

 

فكيان يهود لم يوجد إلا بعد أن غاب الإسلام، ولن تغيب (إسرائيل) إلا بعد بزوغ فجر الإسلام، لأنها ظل للأنظمة الوظيفية التي تحميها من بطش الأمة، ولذلك وجب العمل على إزالة كل الدول "الإسرائيلية" التي وُجدت في غياب الإسلام والتي خرجت من عباءة بريطانيا وأمريكا. وهنا نؤكد أن الحل الإسلامي واجب الاتباع، ضروري الالتزام، بديهي الاعتماد، وليس تطوعاً أو نافلة، بل هو فرضٌ دينيّ إيمانيّ إسلاميّ.

 

وقبل النظر إلى فلسطين وتحريرها واتخاذ الإسلام وسيلة كإحدى الوسائل الأخرى المتبعة لتحريرها نقول: إننا إذا أردنا أن نتخذ من الإسلام سُلَّماً لتحرير فلسطين فلن نفلح ولن ننتصر، فهذا النوع من الإسلام هو إسلام فلسطيني وطني قومي ليس له نصيب من الدين أو الحق، وهذا النوع من الإسلام مرفوض شرعا فهو ليس بالإسلام ولا من الإسلام ولا يحمل منه إلا الاسم فقط. وحركات التحرير الوطني التي صنعت على أعين الكافر المستعمر خير دليل ومثال.

 

فالإسلام إما كُلٌّ متكامل شامل أو لا شيء. فلا يجوز الترقيع في الإسلام، ولا يجوز أن يحمل جزء من الإسلام ويترك الباقي ويدعي المدعي بأن هذا هو الإسلام، فالذي يأخذ العبادات من الإسلام ويترك الباقي - كالأَحكام والحدود والجهاد والولاء والبراء - كمن يريد من الإسلام تحرير فلسطين فقط، ولا فرق بين الاثنين.

 

فالإسلام يجب أن يُحمل كما يريده رب العالمين لا كما نريده نحن تبعاً لهوانا، نأخذ منه ما نريد وما يجلب لنا المنافع المادية ونترك ما لا نريد. فيجب قبل السعي لتحرير فلسطين وإقامة وطن فلسطيني بحدود وهمية تفصل أهل فلسطين عن جسد الأمة الإسلامية وتبعدهم عن الاحتكام إلى شرع رب البريّة، يجب قبل ذلك السعي لإيجاد الخليفة المسلم الذي يحكم بما أنزل الله ويجاهد لإعلاء كلمته، وألا يكون همنا فلسطين أولاً وأخيراً. فالجهاد يجب أن يكون لإعلاء كلمة الله ولإعادة وحدة الأمة الإسلامية ولنشر هذا الدين، أما فلسطين فهي قضية هامشية بالنسبة لأصل الدين في نظر الإسلام. ولن يقاتل المسلمون يهود تحت راية الوطنية، وإنما بوصفهم مسلمين عبادا لله لا يركعون إلا له سبحانه. قال رسول الله ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ». متفق عليه واللفظ لمسلم.

 

فاليهود حتى على زمن الرسول ﷺ كانوا هامشيين ولم يكن لهم ذلك الحساب، وإنما يكون لهم الحساب والوزن في غياب الإسلام كما كانوا في الجاهلية قبل الإسلام. فالله سبحانه وتعالى أرسل رسوله للناس كافة ولم يرسله لقبيلة أو لجماعة أو لأمة، فاليهود كانوا يحاربون كقريش وكباقي العرب. وهؤلاء اليهود كان عقابهم أشد وأنكى لأنهم أهل كتاب، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ولأنهم أمة دنيئة خسيسة، ولحكمة ربانية يريدها سبحانه وتعالى، وأن هذه الدولة الممسوخة ستزول بإذن الله بمجرد عودة الإسلام وقيام دولة الخلافة الإسلامية، فدولة الخلافة هي التي ستحطم السور الحديدي الذي يحتمي داخله كيان يهود وإلا كيف الوصول إليه وهو محاط بأسلاك شائكة وأسوار محصنة، فبمجرد إزالة الأسلاك وتحطيم الأسوار سيزول كيان يهود، لأنه يسهل الوصول إليه للقضاء عليه. ولكن قبل ذلك، يجب أن يتأكد المجاهدون أن ظهورهم محميّة وأنه لا يوجد من يخونهم ويطعنهم في الظهر، أثناء أدائهم لواجب الجهاد الذي يفرض الشرع أن تكون فيه المواجهة بنصف العدة والعتاد لجيش الاحتلال، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بتحرك جيش مسلم تحت راية الإسلام. ورحم الله مؤسس حزب التحرير الشيخ تقي الدين النبهاني حيث قال: "(إسرائيل) ظل للأنظمة العربية فإذا زال الشيء زال ظله".

 

فبمجرد إزالة حرّاس كيان يهود وحماته ممن يعدون مسلمين أو عرباً - وهم إخوة لليهود بأسماء عربية - وبفتح الحدود أمام جيش محمد ﷺ سيزول كيان يهود بإذن الله، كما وعدنا بذلك سبحانه وتعالى، ولن تنفعه قنابله النووية المزعومة ولا طائراته الجوالة ولا يده الطويلة، التي لم تطل إلا في ظل وجود هذه الأنظمة التي ما زالت وستبقى تحارب الأمة سياسياً ونفسياً وإعلامياً وعقائدياً وروحياً حتى آخر لحظة، لدب الرعب والخوف في نفوس أبناء الأمة من سلاح جو كيان يهود الذي لا يقهر، وقنابل الكيان النووية، وصواريخه الباليستية التي تستطيع أن تصل إلى جميع العواصم العربية كما يزعمون، وكل ذلك لقتل النية وسحب فتيل الإخلاص لتحرير هذه المقدسات بحجة أن لا طاقة لنا بـ(إسرائيل) وإمكانياتها العسكرية والنووية والتكنولوجية دون أن يحركوا ساكناً في سبيل رفعة هذه الأمة تقنياً أو علمياً أو صناعياً أو عسكرياً، وإنما يصرون على تركيعنا واستسلامنا أمام بالونة من الوهم، حيث كاد يتسرب اليأس إلى نفوس أبناء هذه الأمة، ويلهثون وراء الصلح والاستسلام قبل الخونة من القادة، لولا ما هيأه الله للأمة من أسباب توقظ لديها الحس والفكر، للبحث عن سبيل خلاصها.

 

لقد كان لعملية طوفان الأقصى التي انطلقت يوم 2023/10/07 وقعٌ على الأمة، فأعادت قضية فلسطين إلى الواجهة وأحيت في نفوس المسلمين الأمل وهزت وجدانهم وحركت مشاعرهم الإسلامية وانتماءهم إلى خير أمة أخرجت للناس، فسِلم المسلمين واحدة وحربهم واحدة، ولذلك وجب أن تكون رايتهم واحدة ودولتهم أيضا واحدة، هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بشر بها المصطفى ﷺ، عقب الملك الجبري الذي نعيشه اليوم، ليكون ميلادها قريبا بإذن الله طوفاناً قادما يجرف كل قوى الكفر والطغيان ويعيد نشر الخير والعدل في ربوع الأرض. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾... ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس وسام الأطرش – ولاية تونس

آخر الإضافات