فكرية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

زلزال وإعصار يفضحان خيانة الفجّار

 

مع كل كارثة طبيعية في مشارق أرض الأمة الإسلامية ومغاربها، تنكشف خيانة حكام المسلمين أكثر فأكثر، ويظهر للأمة أن مصيبتها في من يتسلّم زمام أمرها تفوق أية مصيبة. هذا ما بدا جلياً في زلزال سوريا وتركيا يوم 6 من شباط/فبراير الماضي، ثم في الزلزال الذي ضرب المغرب، وإعصار "دانيال" الذي أصاب ليبيا في الأيام الأخيرة.

 

لا شك أن الزلازل والأعاصير والبراكين هي من الله عز وجل، ولا قدرة للبشر في التحكم بقوتها واتجاهها ووقت ظهورها، إلا أن البشر حتماً يستطيعون الاستعداد لها، بل هم مأمورون بذلك وفق قاعدة الأخذ بالأسباب، والحفاظ على النفس الذي هو من مقاصد الشريعة الإسلامية، وواجب الرعاية الذي أناطه الله بالحاكم.

 

وحين ننظر في آثار كارثتي المغرب وليبيا نرى أن الجزء الأكبر منهما ناتج عن تقصير وإهمال شديدين من حكام البلاد في الرعاية وتأمين الناس، فالخسائر البشرية الكبيرة التي خلّفها الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز جنوبي المغرب يوم التاسع من أيلول/سبتمبر الجاري، حيث سقط 2946 قتيلاً و5674 مصاباً، ناجمة بحسب ما نقلت وسائل الإعلام، عن انهيار واسع للمباني والبيوت، خاصة في الأرياف، ما أدى لسقوط السقوف والجدران فوق رؤوس ساكنيها. وسبب انهيار المباني هو أنها بُنيت دون الالتزام بمعايير مقاومة الزلازل. يقول رئيس مصلحة الرصد الزلزالي في المغرب إن "ثمة قانوناً للبناء المضاد للزلازل تشرف على تطبيقه الحكومة منذ سنوات، ولكنه مطبق على المجال الحضري فقط، وبالتالي فإن المشكلة هو أنه لا يشمل المناطق القروية، ما يفسر لماذا معظم المباني المدمرة في الزلزال تقع في مناطق ريفية. ويضيف المتحدث نفسه أنه "ثمة مشروع قانون تعده وزارة إعداد التراب يرمي إلى ضبط البناء في المناطق الريفية، بحيث يلتزم ببعض المعايير المرتبطة بالبناء المقاوم للزلازل" (الجزيرة 2023/9/9).

 

والسؤال هنا: لماذا قانون البناء المضاد للزلازل يُنفذ في المدن فقط دون القرى والأرياف؟! أليس واجباً أن تكون التدابير التي تحافظ على أرواح وممتلكات الناس تشمل جميع المناطق دون استثناء أو تمييز؟ من يعوّض هؤلاء الذين فقدوا أحبّاءهم؟ إن هذا الاستهتار بأرواح الناس لا يوصف إلا بالخيانة التي هي جزء من جملة خيانات مَرَدَ عليها حكام المغرب منذ عقود.

 

أما في ليبيا فإن الكارثة أعظم، حيث أدت السيول الناجمة عن إعصار "دانيال" إلى 5300 قتيل، معظمهم في مدينة درنة شرقي البلاد، كما أن الحصيلة مرشحة للارتفاع، لأن هناك آلافاً من المفقودين.

 

وهذه الكارثة وقعت بسبب انهيار سدّين في درنة، نظراً لأنهما متضرّران ويحتاجان إلى صيانة منذ أمد ليس بالقصير، حيث لم يستطيعا تحمل الأمطار الغزيرة التي تجمعت في وادي درنة، وسقطا بسبب ارتفاع منسوب المياه. قال متحدث باسم جهاز الإسعاف الليبي إن "عدم صيانة السدين كان له دور كبير في وقوع الكارثة" (الجزيرة، 2023/9/13). وصرح وزير الموارد المائية بالحكومة الليبية المكلفة من البرلمان شرق ليبيا، محمد دومة أن "السدود المائية في مدينة درنة قديمة جداً، وبحاجة إلى صيانة، وأنها لم تُبنَ وفق المواصفات والمعايير الحديثة، ما جعلها لا تستطيع الوقوف في وجه مثل هذه الظواهر الطبيعية الغريبة عن المنطقة". كما عزا عمدة بلدية سوسة خالد ابريك "عدم قدرة مدن الجبل الأخضر شرق ليبيا على مواجهة عاصفة "دانيال" إلى تهالك البنية التحتية التي تشهدها المنطقة منذ عقود من الزمن، وإهمال صيانة المباني والطرقات والجسور من السلطات المتعاقبة" (الجزيرة، 2023/9/12).

 

إن حكام ليبيا لا يهمهم صيانة السدود والبنية التحتية في البلاد، فهم منشغلون بالصراعات الداخلية وتنفيذ مآرب الغرب الكافر، وبالتطبيع مع كيان يهود أيضاً، وما تسريب لقاء وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش، مع وزير خارجية يهود، إيلي كوهين، إلا غيض من فيض الاتصالات واللقاءات والتنسيق بين الطرفين.

 

إن إقامة دولة الخلافة التي تضمن الوحدة السياسية بين بلاد المسلمين، وتستعيد هوية الأمة، وتسترد ثرواتها المسروقة، هو الحل الحقيقي لمشكلات المسلمين المتكررة، وإن كل يوم يمر على أمة الإسلام دون دولة الخلافة يؤدي إلى تعميق المشكلات، وتفاقم الأزمات على مختلف الصعد.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أحمد سعد

 

آخر الإضافات